بكت دمشق حتى صبّرتها

تجولت اليوم في شوارع دمشق ...
لمحت الإرهاق في وجهها الحزين ...
ورأيت التعب بادياً على جسدها الهرم . 
سألتها : ما بالك أمنا .. يا أمننا.. يا عشقنا... يا حبنا الباقي إلى أن يرث الله الأرض وما عليها ؟
فأجابتني بصوت يجهش بالبكاء : لقد هجرني أبنائي ...
فأجبتها : سامحيهم فقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ...وضاقت عليهم أنفسهم ...
ونبينا محمد (ص) هجر مكة المكرمة .. حين ظلمه أهلها وهي أحب بقاع الأرض إلبه  ...
قالت : لقد رموني
أجبتها : موسى عليه السلام رمى الألواح وفيها وصايا الله حين كفر قومه وعبدوا العجل ..
قالت : ولكن الوحدة  قاتلة  يا بني ...
فأجبتها : "ما ودّعك ربك وما قلى" ...
فقالت لي : لقد تداعوا عليّ كما تداعى الأكلة على قصعتها...
قلت لها : "عمّا قريب ليصبحن نادمين"..
صرخت باكية : "لماذا أنا ؟ "  ألم يعلموا بأني أنا الشام ؟
قلت لها : أقول لك كما قال الله لمريم البتول : "إن الله اصطفاك و طهرك"
فاطمئني لأن رسول الله (ص) قد دعا لك : "اللهم بارك لنا في شامنا" ؟
فجاوبتني ودمع العين يسبقها : إلى متى ؟ ... إلى متى ؟
أجبتها :
حتى يميّز الله الخبيث من الطيّب
و حتى ينقشع الظُلم والظلام
و حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ...
و يتوب الله على المؤمنين والمؤمنات...
ثم قالت : متى نصر الله ؟
فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ...
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ
أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )  ( البقرة ٢١٤)

فتنهدت تنهيدةً طويلة ثم قالت :
" رب إني مغلوب فانتصر "