من هم المستبصرون في عصرنا ؟


لنتساءل أولاً ما معنى مستبصرين كما يعرّفها الله تعالى لنا ؟
و ما الفرق بين البصر والبصيرة ؟


البصر : حاسة الرؤيا
البصيرة مصطلح يعني :
لغةً : الإدراك، الفطنة، الدليل، الشاهد.
اصطلاحًا: لها عدة معاني :
انفتاح عين القلب
سعة الإدراك
استشفاف النتيجة ورؤيتها من البداية
مَلَكة تقييم الأيام الآتية مع اليوم المعاش
القدرة على النفاذ إلى كنه الأمور وخفايا المعضلات .

من هذا التعريف الواضح أقول :
هناك بصر وهناك بصيرة؛ البصر يريك ظاهر الأشياء، والبصيرة تريك حقائق الأشياء،
العين فيها بصر ، والقلب له بصيرة ..
فالإنسان الشارد عن الله يعيش في ظواهر الأشياء ، يعيش في سطوحها الخارجية.
كما قال الله عز وجل:
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ سورة الروم/ 7

فالمؤمن يملكُ بصيرةً، وأي إنسان يملكُ بصراً، فالمؤمن يرى الحقيقة،
مثال ذلك :
أب توفي وترك ثروة ضخمة، أحد أولاده الخبثاء استولى على الثروة كلها ، وأنشأ بيتاً فخماً جداً، واسعاً، مُزَيَناً، فرشه بأرقى الأثاث، وجعل فيه أجنحة، على الشبكية البيت جميل جداً، أما بنور البصيرة فهذا فيه اغتصاب، فيه عدوان، ترك أخوته جميعاً بلا مأوى، وبلا دخل، جعلهم يتضورون جوعاً، هو تنعم وحده بهذا البيت الفخم، وحرم أخوته، فالبيت من حيث الشكل، والموقع والتزيينات، والأثاث مريح جداً، لكن من حيث أن صاحبه أكل المال الحرام، وحرم أخوته، وكان سبب شقائهم، هذا البيت بعين البصيرة قطعة من النار.

فالبصيرة :
تؤدي إلى التوفيق في التصرف
تؤدي إلى أنك تضع الأشياء في مواضعها
تؤدي إلى الحكمة
تؤدي إلى الفراسة
قد لا يكون عندك اطلاع على سيرة فلان وتاريخه، لكن يمكنك بالبصيرة أن تتفرس ما يصلح , قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله ) رواه الترمذي

لنتأمل ما ورد في سورة العنكبوت :
قال تعالى : ( وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ( 38 ) )
فقد كان قوم عاد و ثمود أصحاب القوة والحضارة في وقتهم كما وصفهم الله تعالى في سورة الفجر  ( لَمْ يُخْلَقْ مثْلُها في البِلاد )

ماذا يمكن أن ندرك و نعي ؟؟؟؟
إنهم كانوا معدودين بين الناس من البصراء العقلاء جداً لما فاقوهم به من العلم مما يعلمون من ظاهر الحياة الدنيا .
يحسبون أنفسهم مستبصرين !!!
فما أغنى عنهم استبصارهم شيئاً لمّا جاء أمر الله .

و لنقس في حياتنا على من قام مقامهم في عصرنا و يحسبون أنفسهم مستبصرين !

فالاستبصار الحقيقي ما كان ينظر إلى أحداث الحياة وفق منظور الله ويفسرها وفق سننه في كونه وعباده..
لا من ينظرون بشكل سطحي إلى أحداث الحياة و حركة الأمم.

وقد عبّر عنها القرآن الكريم بالبصيرة ...
قال تعالى : ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ القيامة/14
 قال الله تعالى : ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ الذاريات/21

التبصر أعلى مراحل الوعي عند الإنسان لا تتحقق إلا إذا وصل درجة من العقل ترقي به إلى الملاحظة والاستنتاج والاستدلال والتحليل وفي الحياة العامة نلاحظ عند عامة الناس.
هذا أحد صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينظر إلى امرأة في الطريق فتعجبه فيطيل النظر إليها، ثم يدخل هذا الصحابي على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه فيبادره بقوله: أما يستحى أحدكم أن يدخل على أمير المؤمنين وفى عينيه آثار الزنا؟ ... فيتعجب الصحابي من معرفة سيدنا عثمان لذلك بالرغم من أن أحداً لم يره، فيبادر سيدنا عثمان بقوله: أَوَحْيٌ أُنْزِلَ بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟؟ فيقول له سيدنا عثمان : اتق فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله.

إن كثيراً من المآسي تكون نتيجة هذه الهوة العميقة بين البصر والبصيرة بين رؤية الشيء والقدرة على إدراكه والصبر في تحليله ووسيلة التعبير عن هذا الشعور نحوه بالقول أو الفعل .




يمكنكم متابعة هذا الفيديو للدكتور علي الكيالي