تضخيم عيوب الآخرين مهلكة


إياك وتضخيم عيوب الآخرين فإنها مهلكة
انظر إلى عيوب نفسك تجدها أكبر فاشتغل بإصلاحها
نجتمع كثيرا في جلسات جادة أو غيرها، سواء في مجتمعات الرجال واجتماعاتهم أو في الجلسات النسائية، فنجد أن كل منا يفتش في عيوب غيره، وقد يتهم الآخرين بالتقصير، أو ضحالة الفهم، وينسى أنه بشر وبه عيوب، ولا أحد يحاول إصلاح عيوب نفسه، أو لا يحفظ لسانه عن الخوض في عيوب الآخرين، فضلا عن أنه لا يلتفت لعيوب نفسه، ولا يفكر إلى أنه قد تكون عيوبه أكثر ممن يعيب عليهم، ويكون هم أحدنا واهتمامه هو إثبات أنه على الحق خاصة عند تعدد الآراء، أو تقديم الأدلة على خلوه من العيوب، وهذه آفة من آفات اللسان، وعيب من عيوب النفس التي تحتاج إلى مجاهدة وعلاج.
هذه الظاهرة من الأمراض القلبية التي يُصاب بها العبدُ، وهو أن يتذكر ويشهر أو ينشر ويتحدث عن عيوب الناس ولا يتتبع عيوب نفسه، وهو بذلك يرضى عن نفسه، ويرى أنه شبه متكامل، ويغفل عن عيوب نفسه، مع أنه إنسان، وكل البشر يعتريه النقص، ولا يوجد إنسان كامل أو معصوم إلا من عصمه الله تعالى، فلا يخلو إنسان من نقص أو عيب أو ذنب أو خطيئة.

وإذا أراد الله بعبده خيراً أرشده إلى الاعتناء بعيوب نفسه، ويجاهد نفسه ويحاول إصلاحها، فنجد العبد الفطن منشغلاً بنفسه، حريصاً على تزكيتها، وكم هو قبيح أن ينسى الإنسان عيوب نفسه، وينظر في عيوب إخوانه بمنظار مُـكـبِّـر!!
وقد جاء في الأثر:
"يبصر أحدكم القـذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه" رواه البخاري في الأدب المفرد وصحح الألباني وقفـه 
والقذاة ما يقع في العين  من غبار وغيره فيؤذيها .
والجـذل الخشبـة العالية الكبيرة.

مع العلم أن الانشغال بعيوب الآخرين والغفلة عن عيوب النفس سبب للوصول لسوء الخلق؛ فقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:
"إذا قال الرجل هلك الناس فهو أَهلكـُهُمْ " رواه مسلم.

لا تبحث عن عيوب الآخرين ....وان رأيتها فلا تضخمها ولا تنشرها الا لما فيه ضرر كبير ودرء مفسدة أخطر من نشرها وأذاعتها ؟...
هناك محاسبة ذاتية شئت أم أبيت،
ولكن حينما يكون معتدياً آكلاً للمال الحرام، يبني مجده على أنقاض الناس، تتعلق به حقوق الناس، يسعد ويشقى من حوله، يأكل ويجوع من حوله، يكتسي ويعرى من حوله،
هذا الذي يبني مجده على حساب الآخرين يختل وينهار من الداخل،
الآن الذي يختل توازنه الداخلي ماذا يفعل؟
كي يستعيد هذا التوازن يبحث عن عيوب الطرف الآخر، وعن عيوب أهل الإيمان، أو عن عيوب ليست فيهم يتوهمها ويكبّرها، يبالغ فيها ليستعيد توازنه.
أحياناً الإنسان يفوته قطار العلم إذا رأى أصدقاءه في أعلى مرتبة في الدنيا يختل توازنه، لِمَ لَمْ أكن مثلهم؟ يتألم، ما الذي يريحه؟ أن يبحث في حياتهم عن مشكلات كبيرة جداً، هذه المشكلات إذا بحث عنها ووجدها يستريح، يقول قي نفسه: أنا لا أملك هذه المشكلات،
فهذه قاعدة نفسية دقيقة جداً، أنت حينما تخرج عن منهج الله هذا المنهج المتوافق مع الفطرة يحدث في الداخل انهياراً، أو اختلال توازن،
هذا الاختلال لا يمكن أن تستعيده إلا إذا أقنعت نفسك أن الطرف الآخر الذي لم يسقط كما سقطت ليس جيداً، فعند كل إنسان منحرفٍ عاصٍ رغبة جامحة إلى تضخيم عيوب المؤمنين، والبحث عنها، والتنقيب فيها، وتضخيمها، وإلى المبالغة فيها، من أجل أن يرتاح.
لذلك هناك معركة أبدية أزلية بين أهل الحق وأهل الباطل، أهل الباطل يبحثون عن عيوب المؤمنين يكبرونها يضخمونها.
يكثر بعض الناس الحديث عن أخطاء الآخرين، والإسراف في ذكرها، ولوك اللسان بها تحت عنوان: "النقد"، أو غير ذلك من العناوين؛


لكن النقد شيء، والغيبة شيء آخر، والنصيحة شيء مختلف، والتشهير شيء آخر؛ فهناك مَن يبحث عن الأخطاء، كأنها هواية عنده؛ فهو يفرح بها إذا وجدها ويضخمها إذا عرضها، وهو يذكر دائمًا الخطأ، ولا يذكر أبدًا الصواب، وطُوبى لمَن شغله عيبه، عن عيوب الناس،
وكان "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنهيقول: "رَحِمَ الله امرأً أهدى إليَّ عيوب نفسي".
لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس ؛ لأن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وقد قال الله تعالى :
(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) المدثر:38
وقال: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء
عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
"يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوارتهم، فإنه من اتبع عوراتهم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته" رواه الترمذي وحسنه، وحسنه الألباني.
يقول الشافعي رحمه الله:
إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى ..  ودينك موفور وعرضك صيّن
لسانك لا تذكر به عورة امرئ   ..    فكلّـك عورات وللناس ألسـن
وعينك إن أبدت إليك معايباً      ..    فدعها وقل: يا عين للناس أعينُ
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى .. وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ