حجة الوداع بواقعنا اليوم

قد تقطع الطريق بسبب زيارة مسؤول الساعات والساعات
وقد تخصص بعض المرافق أو المنتزهات له ولعائلته فلا يشاركهم فيها أحد
وبالعكس من ذلك
تصلنا صور عن مسؤول أوروبي ذهب إلى عمله في دراجة أو شارك شعبه ركوب القطار فتطير الصحف والمنتديات بصوره وأخباره
ولكن لنا في رسول الله أسوة حسنة


فالنبي صلى الله عليه وسلم جزء من أمته وأمته جزء منه
ففي جميع مناسك الحج ترى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفه جمع غفير من المسلمين
ليس حاله كحال الملوك الذين يطردون الناس من طريقهم ..
بل كان خير من يمشي على الأرض :
يمشي مع الكبير والصغير ويرحمهم ويحمّس الشباب ويدلهم على الخير , ويرحم المسن ويوصي له , وأعطى المكانة المرموقة للمرأة , وأرسى كل قواعد الحرية والفكر والأخلاق ودعائم الانسانية من حقوق وواجبات مالم تصل إليه جمعية تدّعي اليوم الانسانية وهي أبعد ما تكون عن الانسانية
اليوم انكشف الظلام وبانت الحقائق وعرفنا الحقوق التي ترعاها هذه الجمعيات العنصرية المنكوبة الساقطة ..

فما هي حجة الوداع وماذا نتعلم منها ؟؟

حجة الوداع هي أول وآخر حجة حجها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  بعد فتح مكة، وخطب فيها خطبة الوداع التي تضمنت قيمًا دينية وأخلاقية عدة

سميت حجة الوداع بهذا الاسم لأن النبي ودع الناس فيها، وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم، وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها

من خلال هذه الخطبة الجامعة
أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكثير من
الوصايا والقضايا المهمة :

 - تحريم دماء المسلمين وأموالهم فيما بينهم :

وهذا يؤكد مبدأ راسخاً في الإسلام وهو حرمة اعتداء المسلم على أخيه المسلم، سواء بالقتل أو الطعن أو الشتم، أو الإهانة وغيرها من الأمور المخلة بآداب الإسلام وتعاليمه.
وهو من أشقى البلاء الذي يعصف بالأمم ويضعف كيانها، ومن أقصى الداء الذي يذهب بقوتها وينفي وجودها،
قال صلى الله عليه وسلم في خطبته : 
" أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت[1]
إنه تحريم سار ممتد لا يحده زمان، لقوله صلى الله عليه وسلم  إلى أن تلقوا ربكم، نظراً لخطورة استحلال دماء المسلمين، وقتل بعضهم لبعض مهما كان المبرر في نظر هذا الفاعل أو ذاك، ومهما توفق هذا الفريق في اجتهاده وادعى ذاك، لأن النفس من أشرف ما خلق الله وأزكاه.
وقد جعل سبحانه حرمة المسلم من حرمة الدين بل جعل حرمته أعظم من حرمة الكعبة ..
وألحق الرسول صلى الله عليه وسلم الاقتتال برتبة الكفر،
فعن ابن عمرَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال :
" وَيلكم أو وَيحكم، لا ترجعوا بعدي كفَّارا يَضربُ بَعضُكم رِقاب بَعض[2].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في خطبته
 (ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع تحت قدمي (
مشكلة هذه الأمة اليوم وما تعيشه من اقتتال لا يراعي فيه طرف من المتقاتلين حرمة لأخيه المسلم ولا يحفظ ، والمستفيد الوحيد من هذا التناحر والاقتتال هم أعداء الأمة الذين اندسوا ودسوا بيننا من المكائد والمصائب والمخططات والأكاذيب ما لا قبل لنا بدفعه وردّه .

-  التأكيد على أخوة المسلمين ووحدتهم.
فقد حذر المسلمين من الاختلاف والتناحر فيما بينهم , وأن يعرفوا أن قيمة الإنسان تقررها تقواه، وقربه إلى الله، وليس عنصره فجميع الناس اخوان وأبناء آدم، وآدم خُلِقَ من تراب، فلا عجرفة ولا غرور ولا تعصب عنصري .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في خطبته
"لا فضل لعربيٍّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ, ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض, إلا بالتقوى، الناس من آدم, وآدم من تراب"
و قد بيّن لنا أن وحدتهم يكون في الابتعاد عن كل مسببات العداوة والتباغض والتناحر واحتقار بعضهم بعضاً، ومن ذلك :
أكل أموالهم بغير وجه حق :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في خطبته
"أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمنّ أن كل مسلم أخٌ للمسلم، وأنّ المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئٍ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم ؛ اللهم هل بلغت؟[3].
تحريم الربا وبيان خطورته، وأن اللعن يصيب كل من له علاقة به من قريب أو من بعيد لما له من آثار سلبية على الفرد والمجتمع  :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في خطبته
 (ألا إن كل رباً من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي )
أمر الربا وتوابعه الخطيرة، لكن الأمر يتجاوز ذلك إلى أكل ما لا يجوز أخذه بالاستيلاء على ثروات المسلمين وخيراتهم، ونهبها بطرق مغلفة بظاهر قانوني، بل وتمكين الأعداء منها بالتحايل والنصب والرشوة وخيانة الأمانة.

 - دعوة المسلمين  إلى أن يتمسكوا في كل زمان ومكان بكتاب الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم
فقال "فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً، كتاب الله وسنة نبيه[4].
لقد وصف صلى الله عليه وسلم الداء والدواء, ووضع العلاج لكل المشكلات بالالتزام التام بما جاء من أحكام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم  .
فقد أوجب علينا الاهتداء بالكتاب والسنة في حل جميع المشكلات التي تواجه البشرية، فإن الاعتصام بهما يجنب الناس الضلال ويهديهم إلى التي هي أقوم في الحاضر والمستقبل .

-  إبطال ما كان من عادات قبيحة عند العرب في الجاهلية ومنها الثأر .. وتبرّج النساء والاختلاط بالرجال .. وقطع الأرحام ..

- دعوة المسلمين إلى البرّ  بالنساء والعناية بهن وإعطائهن حقوقهن، وتذكير النساء بما عليهن من واجبات تجاه أزواجهن.
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في خطبته
 (استوصوا بالنساء خيراً، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)
فقد كانت المرأة في الجاهلية الأولى تورث كالعقار ، بل وتقتل ولا حق لها في الحياة، قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) التكوير:8-9
كانت المرأة في الجاهلية الأولى لا حقوق لها مطلقاً، فجاء الإسلام وكرمها، وأعطاها حقوقاً وواجبات، وألزم الرجل أن يتقي الله فيها، لكن الآن نلحظ قلباً للموازين : فخرجت المرأة عن وظيفتها وعن طبيعتها التي خلقها الله لأجلها، وأضعنا قول الله عز وجل: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب:33
ووصفوا بقاء المرأة في بيتها رجعية ! وعدم خروجها تخلف، ولا بد عليها أن تخالط الرجال، وأن تكون سواء بسواء، وتتولى المناصب القيادية، فلها أن تكون قاضية، وأن تكون مديرة، وأخيراً أن تكون مأذونة تعقد العقد في المساجد، وبعد ذلك تؤم الناس في صلاة الجمعة والجماعات، لا بد للمرأة أن تأخذ كامل الحقوق ..

-  التحذير من الذنوب والمعاصي :
حذر من الذنوب والمعاصي، لأن الذنوب والمعاصي هي سبب كل وباء نعيش فيه على المستوى الخاص أو المستوى العام،
فعدم بركة الوقت سببه المعاصي ،
وعدم بركة الرزق وتسلط اليهود علينا، وضيق الصدور، وتقطيع الأرحام، ونشوز الزوجات، وكل ما نحن فيه من هم وغم ونكد سببه المعاصي..
وقد سخروا منا يوم أن وقع الزلزال وخرجت بعض الأقلام الإسلامية تكتب وتقول : إن سبب ذلك هو المعاصي ، واستهزؤوا وسخروا، وقالوا: إنما هي كوارث طبيعية وظروف مناخية، ونسي القوم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا ينزل بلاء إلا بمعصية)،
وتقول أيضاً أمّنا عائشة : 
(إذا شربت الخمور وعزفت المعازف وفشا الزنا -المعصية عمت- غار الله في سمائه، فأمر الأرض أن تتزلزل بهم ).
إذاً فالزلزلة استعتاب من الله للخلق، وإنذار لهم من بطشه عز وجل .
فهذا رجل من السلف كان يسير في الطريق فقابله رجلاً سيء الخلق فسبه ولعنه وتطاول عليه، فقال له: انتظر، ثم دخل إلى مسجد بجواره فتوضأ وصلى ركعتين ثم خرج يقول له: ما سلطك الله عليّ إلا بذنب ارتكبته .
نعم فالله تبارك وتعالى لا يسلط هذا السّفيه على الصالح إلا بسبب ذنب، فعاد الرجل يصلي ويستغفر،
وكان السلف يقولون: (كنا نعرف المعصية في خلق الزوجة والدابة )
بمعنى: أن الزوجة لا تطيع، فإن وجدت ذلك فراجع نفسك إن كنت تقياً، ولا ترتكب المعاصي والذنوب، وكذلك الدابة،
وتأمل ماذا فعلت المعاصي بالأقوام السابقة :
ما الذي أغرق فرعون؛ إنها المعصية،
ما الذي خسف بـقارون الأرض؛ إنها المعصية،
ما الذي أرسل على ثمود الريح؛ إنها المعصية
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) [الحاقة:5-7]
والخلاصة: أن سبب البلاء الذي نعيش فيه المعاصي التي نقترفها ونجاهر بها ليل نهار

- مهمة الدعوة :
أن يبلغ الحاضر الغائب، أو الشاهد الغائب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في خطبته
(فرب مبلغ أوعى من سامع)
وهذه مهمة كل الحضور، فإن حضرت درساً فبلغ، لأن مهمة الأمة الأولى: البلاغ (والدال على الخير كفاعله)
ويقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) المائدة:67

هذه بعض القضايا الهامة التي استخلصتها من حجة الوداع .. أسأل الله تعالى أن أكون قد وفّيت كل قضية حقها .


-------------------------------------------------------------------------------------------

1-      ابن هشام عبد الملك، سيرة ابن هشام، مؤسسة علوم القرآن، 2 / 604.
2-      متفق عليه.
3-      سيرة ابن هشام، 2 / 605.
4-      سيرة ابن هشام، 2 / 605.